شطحات نقدية في جماليات قصائد محمد بوكسير
بقلم الأستاذ صالح هشام ~~~الرباط/المغرب
بوكسير ، اسم على مسمى ، إنه يكسر اللغة في متاهات الذاكرة ،الولود ، الذاكرة التي لا تكل ولا تمل من الإنجاب
، إنجاب القصيدة ، إنجاب السطر الشعري الذي يتراءى فيه بريق الرؤية الفلسفية للحياة والجمال ، كل سطر
بمجلدات تحكي عن متاهات الحياة في هذا العصر الذي أصاب فيه الكلمة الشعرية غبن وظلم ، فغابت عن
الساحة الشعرية لكن ما غابت كلمات محمد بوكسير ،لأن كلماته جذع شجرة يستمد الحياة من أعماق الأرض .
ولن يصيبها الذبول ، لن يصيبها الموت ، هي قصية عن الموت ، تلك الشذرات الذهبية التي تتفلها ذاكرة الشاعر
، لتشنف منا السمع ، أشبه بذلك البريق الذي يصدر عن الخنافس في الليالي الظلماء ، أشعار بوكسير تكسير
للغة الكلام ، خلق للغة الصمت ، الكلام لايعرف التلاعب بالمواقع لكن لغة الصمت تفعل ما تشاء وتمنطق
لا جغرافية الكلام ، لأنها لن يتذوقها إلا من يتقن الصمت ، لغة الصمت هي لغة الإبداع صمت الحرف خاصية
لغة الخلق، سميتها لغة الصمت لأنك إذا لم تكلمها وتداعبها وتلاعبها فانك ستكل ولن تحصل منها على شيء
والمداعبة والملاعبة ، ما نسميه القراءة بمفهومها النقدي ، وليس ممارسة فعل القراءة ، أن تكون داهية
في التأويل والبحت عن المعاني العميقة ، هذا هو الذي سيجعلك تكلم لغة الصمت في القصيدة فقد
تتبعها ، تجري وراء ها فيلفك الصمت لكن سرعان ما تصاب بالهديان ، قصيدة بوكسير لن تطاوعك
الا اذا كنت تتقن لغة الهديان ، ولغة الهديان يقولون إنها لغة الجنون ، نعم للجنون لغة
، لانها هي التي تبكي الاشياء تتضحكها تراقصها ، تحركها ، تصبغ عليها خصائص اللاجنون
، هي لغة فلسفية عميقة المعنى ، يمارس من خلالها الشاعر لعبة الهديان ، أو الحلم وحتى الكوابيس
، يبتسم المنجل ويحتج السؤال ، ويجرد العاشق من الحرج ويبرأ كالطفل الصغير . إنها لغة
الهديان تمنطق اللامنطق ، وتعقلن الهديان ، سي محمد يمارس لعبة الهديان ، قلمه ، مشاكس
، يعاكس الكلمة ، يتغنى بجمالها يبعثها من جديد . يخرجها في ابهى حلة الى الوجود في
زمن تحجر فيه كل شيء ، في زمن لم يعد فيه الشعر يمارس لغة الهديان ، لم يعد فيه الشعر
يدغدغ الاحاسيس والمشاعر ، في زمن نضبت فيه الذاكرة عن الخرير ، لقد تجمد النهر
، وتشققت الذاكرة . لكن قلم بوكسير لازال لم يخرج عن طوعه يدعوه فستجيب له ،
ويساير صاحبه في لعبة الجنون والهديان ،تتوغل ف عالم القصيدة عند بوكسير ،
فتضيع في متاهات اللغة ، تبحت عن المعاني ،فتقول لك القصيدة المعاني ياسيدي
حسم فيها القدماء ، اعتبروها مطروحة في الطريق ، فلماذا البحث عنها والصحف
ملأى بالمعاني ، فتحلق بك فوق الاشبياء وتراقصك مع جماليات الحرف العربي
الذي نحت في الذاكرة العربية ، ان تشد حزامك مسألة ضرورية اذا اردت أن
يردفك الشاعر محمد بوكسير فاما ان تحزم الحزام ، أو تضيع في متاهات الإسناد
وبلاغة الغموض، اترك منطق الكلمة جانبا إذا أردت أن تحلق معه فوق الاشياء ،
ولا تنسى أنك مهما فعلت فانك ستطارد خيط الذخان ، وتقتفي أثر السراب ،
بوكسير حتى في نقده يجب ان تمارس لعبة الجنون والهديان والا فانك
ستقلب الموازين وتدمر القصيدة ، أن تتجرد من كل تركيب تراه منطقيا
ضروري لدخول عالم القصيدة عند الشاعر بوكسير ان تحسن الخيال
، ان تكون فنانا في التقاط الصور الشعرية التي لن تكون إلا ثلاثية الأبعاد
، فالصورة الشعرية في القصيدة ، تدمير للمألوف اللغوي لخلق الانزياح
لخلق جمال الغموض، لتمارس كل النظريات الصوفية وأن تلعب لعبة الاتحاد
والحلول بالكلمة ، ان تعرف ان الكلمة حية تموت في سياق معين وتحيى
وتزهر في سياق اخر ، وشتان بين هذا الذي يميتها في سياقه المباشر وذاك
الذي يحييها في سياق ، تكتسي فيها الدلالات و تحبل بالمعاني ، وأقصد
بالجنون والهديان ما يمارس على اللغة ، ان تتلاعب بها على مستوى
الاسناد والنظم ، فتخلق التآلف والانسجام بين المتنافر ، هذا هو الابداع ،
اللغة التي تقول شيئا في مجال الشعر ليست من الابداع في شيء ، وإلا
اعتبرنا جرومية ابن عاشر ابداعا شعريا او اعتبرنا الفية ابن مالك
ابداعا شعريا ، فرق كبير بين النظم كقواعد للنظم كق
ولنا (الشعر كلام موزون مقفى ) هذا كان ايام زمان ،كان قبل ان
تعلن اللغة العصيان على كل تركيب منطقي ، قبل ان تغرد في
عالم الانزياح وبلاغة الغموض ، لخلق كل مدهش وغريب ، قبل
ان تختطف القاريء من عالم الواقع ليحلق مع الشاعر في عالم الحلم
والجمال والحلول الصوفي ، شيء واحد احترمه الشاعر الحديث هو
تأييده لابي تمام عندما سئل :لماذا لا تقول ما يفهم ؟! فاجابهم ولماذا
لا تفهمون ما يقال ؟! الشاعر اصبح يرقى بالقاريء الى عالم
الخيال ، ويستضيفه في قلعته المنيعة ليمارس إلى جانبه الشطحة
الصوفية ، شطحة اللغة ،اللغة هي الابداع والابداع هو اللغة
ولا ابداع بدون لغة ولا لغة بدون ابداع جدلية الابداع
واللغة إلى ان يرث الله الارض ومن عليها،
تحياتي محمد بوكسير ،
الاستاذ صالح هشام ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~الرباط/المغرب