voller-9 المدير العام
عدد المساهمات : 1148 تاريخ التسجيل : 05/08/2015 العمر : 54 الموقع : www.Facebook.com
| موضوع: مجلة حروف من الياسمين **** شيء يشبه الحياة. " بقلم / محمد دريوش السبت سبتمبر 26, 2015 12:03 pm | |
| شيء يشبه الحياة.
إن من المآقي لما يشقق فيخرج منه الملح الأجاج، فكم من الدمع علي أن أسفك كي أنال عشقك؟ وإن من الوجع لما ينبت كأزهار الصبار الصفراء على حافة عذراء لم يطأها فرح.. لماذا عشت كل العمر تراقب أوراق يوميتك تتطاير دفعة واحدة؟ لماذا تركت اليأس يعتمر رأسك دون أن يشجه حجر ذات حزن؟ لماذا تعاند في موتك كما كنت تعاند في حياتك أو أكثر؟
ترى حياتك تنسرب من بين يديك شامتة، كلما جردتك من ساعة زمن ازدادت زهوا، وتقف عند مفترق الطرق تستجدي مزيدا من الوجع كي تونع مقاومتك أكثر، لا شيء يؤثر على هذه الرتابة المقيتة إلا ظلام الأمكنة حين يفر النهار إلى الضفة الأخرى بقارب مثقوب خوفا من عسس الليل، وحرف أهوج تحركه الريح كبندول ساعة عتيقة بساحة مهجورة، هناك يقف الموت بمعوله ليحصد أعناق الاحلام المجهضة، لا سبيل لشرود فكرة أو تنهيدة إلا ما سطر في كتاب حراس الأحلام، ليس عليك أن تحلم طيلة ساعة كاملة، ليس عليك أن تزعج سكون الليل بهذيانك المحموم، لقد نلت ما تستحق وأكثر.. تمهل وأنت تروي لحبيبتك حكاية الفارس على صهوة الحصان الأبيض، فلا حصان لديك..
تمهل وأنت تمشط شعر حبيبتك كي لا تنكسر سيقان السنابل.. تمهل وأنت ترتق جروح روحك كي لا تصير حديث المحافل.. تمهل..تمهل
وانس حاضرك الذي قفز من النافذة.. وانس ماضيك الذي انمحى بجرة قدر واحدة.. وانس أنك تحيا..ومت وأنت تهلل.. مت واقفا كتلك السنديانة التي أنجبت عكاز جدتي..
عش واضحا كتلك الأقحوانة التي أحاطها العليق بحديقتي.. وعندما تغمض جفنيك لملاقاة قدرك بديجور غرفتك، ل تنسى أن تؤدي التحية للشعر، ولقارورة العطر، ولزخات المطر... لا تنسى أن تقوم بجرد خيباتك، لا تنسى إعادة قراءة ذكرياتك، وأعد تشكيلها على سجيتك، فأنت ميت لا محالة، وعندما يأتي الموت لأخذك لا تقاومه واستسلم لرغبة الحياة في التخلص من ظلك..قليلون من يعبرون الجسر دون أن تتأذى أرواحهم من ظلام الأمكنة..
الشوارع تمرجح جسد الانتظار لعل السكون يسري بمسارب الحياة، تقف الأشجار على هوامش الإسفلت شهودا على مرور العابرين، وتلوح بأوراقها عند كل هبة ريح. ورغم كل ذلك الصخب والوجوه الكثيرة التي تعرفت على ملامحها يوما، تعبر الجسر وحيدا دون يد تشد على راحتك، وحيدا كسحابة صيف في سماء زرقاء، تذهب بغتة كما أتيت ذات ليلة مقمرة صدفة، لم حاضرا ليلتها عندما كان ذلك الثنائي الأبدي يذيب جليد الغرفة الباردة عندما التحم الجسدان، كنت ساعتها فكرة قابلة التحقيق، وتحققت عندما ظهرت علامات الحمل على والدتك، وشيئا فشيئا دبت الحياة ببطنها، هكذا أتيت من العدم، وكذلك اليوم ترحل إلى العدم وحيدا...
وصرخت ككل المواليد الجدد عندما أمسكت برأسك الصغير الغض يدا القابلة لتمنحك الحياة، صرخت فرحا أو غضبا لا يهم، ونظرت بعينيك المغمضين تقريبا إلى سقف الغرفة المفتوح على السماء، ونظرت إلى وجه جدتك المليء بالأوشام، وتلمست الطريق إلى صدر أمك هربا من برد هذه الحياة.. هل كنت تدري أن تلك اللحظة ستؤرخ لبداية طريق مليء بالمتاريس؟ هل كنت تعلم أن الموت بات يتربص بك منذ وقتئذ؟ دربت الأمراض ولم تمت، دربت أشكالا من الفيرسات وهزمتها مناعتك، دربت السقوط والوقوف دون ان تشج رأسك، وكبرت وكبرت أحلامك...
كنت كلما حققت واحدا منها أو يئست من ذلك ترسم حلما أكبر.. في كل حلم حكاية، وفي كل حكاية عمر منسرب، وفي كل عمر خيبات بحجم الجبال تنكأ الجرح كلما طفت ذكراها على صفحة الواقع... تمهل عند الحلم
كي يصير المكان أرحب تمهل كي لا تموت وحيدا دون أن تعرف السبب
تمهل عند صرختك الأولى كي لا تصرخ من شدة الغضب تمهل عند الموت
كي يصير مذاقه بجسدك أعذب وارحل وحيدا وصامتا كالمطر ارحل بعيدا حيث لا يقتفى لك أثر
سيبكيك الرفاق والزقاق وكرسيك المفضل بالمقهى، ستبكيك جارتك المسنة التي تطل من شرفتها على الثمانين، ستبكيك تلك الشجرة التي كنت تستظل تحتها كلما نالت من صبرك النوائب، سيبكيك طائر الدوري الذي كان يريح جناحيه وراء زجاج نافذة غرفتك... فهل كنت تدري أن من المآقي ما يشقق فينزل منه الملح الأجاج؟!!!. | |
|