تفاحة آدم.
الجزء الثاني والأخير.
لولا عناية الله واظبت على حماية عين العنفوان بشغف الكتابة لكانت النهاية موجعة، كم مرة هوى من عليائه في سقوط حر جدا عكس قوانين الفيزياء عديمة الإحساس، كل الأشياء تسقط من السماء نحو الأرض إلا قلبي هوى كتفاحة نيوتن من الأرض باتجاه السماء، للقلوب قوانينها التي لا يفقهها العلماء، وحدهم العاشقون يلامسون بأرواحهم كنهها..
وإن لغواية الحرف تجليات شتى، تارة تأتي الغين غريبة لا كمن عاد لتوه من منفاه القسري فلم يتعرف على الأماكن التي شربت روحه، وتارة تأتيمتنكرة لتقتفي أثر
ما تشظى من ذكرى الزمن الجميل..
قد تكون الفاء فلتة من فلتات الزمان، أو فورة العشق الممنوع من الصرف، في كل قلب حب درب طوبل من المعاناة الفاتنة، وكلما صارت نيرانه قاب رماد أو أدنى نفخ فيها المحبون من أرواحهم فتأججت من جديد..هكذا يحيا الحب عمرا أطول...
تلك القاف التي حباها مخترعو اللغة بقابلية التشكيل كما يحلو للقدر تضع نفسها رهن إشارته، فتصير قلبا حالما أو عقلا مفكرا أو قاربا يشق ألق العباب نحو الخلاص، لا ضفة تليق برسو سفينة الأحلام بمرفئها، ويبقى النورس محلقا ليعانق ما شاء من مداءات، وحدها الريح تتقن فن كشف المستور..
هكذا كفت كاف الكينونة عن انتظار الأمر الإلهي بفسح المجال لولادة الحرف المعتق:
-يكون الحرف أو لا يكون..تلك هي المشكلة..
فما كان منه ما كان ليكون لو أن كاف الكينونة لملمت جراح اللام المستسلمة لتفرد معنى الحياة..
- أشهد ألا حياة لي إلاك أيتها البهية الآتية من الزمن السحيق، تلك العينان المارسمتها ريشة فنان تغرق زوارقي تباعا، كلما نظرت إليهما تهت وحلقت كطائر الدوري فوق المدائن، تلك العينان بوجهك المشرق كليمونة لهما جاذبية الأرض، أدور بمداري المسطر حولهما منذ الأزل فلا أتزحزح قيد أنملة عنه كي لا أحرم نفسي من لذة التيه..فمتى أهوي على أرضك كورقة خريفية تتقاذفها الريح؟
الميم متاهة الروح ببرزخ التجلي، هناك حيث تتماهى مع الجسد لتصير منارة للعابرين إلى السماء، موت مشتهى تميد أغصانه بأعشاش الأماني، ماهية الكتابة وقدسية المجاز باللحظة الشعرية كما تنبأ بها باشلار، كمية الأحاسيس العابرة للنصوص والمسكوبة بألق الذائقة بذهن المتلقي..هكذا يكون الحرف مياسا كالأحجار الكريمة..منتهى التعبد بمحراب الأبجدية..
نون وما يسطرون..الشعراء وما يكتبون..نون نائمة على فراش القصيدة، ملكة متوجة نجت من المجزرة، ناعمة الملمس أيتها الحروف الصقيلة، طيبة المعشر حين يناديك المنادي فتلبين طوعا أو كرها..كل حرف ينمو على بياض الصفحات كائن حي يتنفس شعرا أو نثرا..فأرجوكم تعهدوه بالرعاية..
هيهات ثم هيهات يا أيها الحرف العنيد.. أتجرع هاء الهجر على مضض، أتجرع هجير الهوان مذ خاصمني الإلهام.. هل كنت تدري أنك لصدك كنت تدق آخر مسمار بنعش القصيدة؟ هل كنت تدري أنك هبة الله لمن اكتوى بنار صبابتك؟
الآن فقط أعترف
خطيئتي الوحيدة أنني أهملتك وتركتك وحيدا تعاقر برد المساءات..
خطيئتي الوحيدة انني ما حفظتك عن ظهر قلب..
قد ذبلت أيامي مذ أعلنت الرحيل..
فعد إلى حضني ولتكن نارك بردا وسلاما علي وعلى من أصابتهم حماك أجمعين!
ولتكن واوك وردة بمزهرية ديواني المرتقب!
أواه من وحدة استوطنت واوها أيامي فأصابتها الرطوبة ونال من أطرافها الملل..
يا ياء النداء أصيخي السمع لصرخة اليائسين والمحبطين والتائهين والتائبين من زلة هجر الحرف توبة نصوحا.. يا قبلة ييمم شطرها المؤرقون بصبابة الكتابة كل حين، إني وقومي نجدد فروض البيعة و الولاء لك وللبقية من ولاتك الآخرين..