الشاعر بشري العدلي
(كيف يراوغ النص الشعري القارئ؟)
بقلم/بشري العدلي محمد
إن النص الشعري له خصائص مميزة تجعله ذا قيمة كبيرة في عالم الأدب ، و لا يمكن لنا أن نتذوقه إلا بمراعاة هذه الخصائص ، ومعرفة الطرق المناسبة للتعامل معها، و من هنا يجب التفرقة بين النص الشعري و المقال ، و كل هذا يتوقف علي القارئ و المتلقي الذي يستوعب العملية، و الشاعر الذي يخاطب الناس بلغة سهلة و ميسرة فيها إبداع يستطيع أن يصل بسهولة إلى عقل و قلب المتلقي ، و حينما نقرأ مقالا تكون الأهمية الأولي للفكرة ثم تأتي عملية الصياغة و التعبير في المرتبة الثانية ، فنطرح عقب قراءته للمقال هذا السؤال :- ما الذي يريد الكاتب أن يقوله في المقال ؟ ثم بعد ذلك نتساءل: كيف صاغ الكاتب فكرته و عبر عنها؟
إن الاهتمام الأول للقارئ يكون بالفكرة التي يريد الكاتب توصيلها لعقل المتلقي ، أما الصياغة و التعبير تكون في المرتبة الثانية ، لكن النص الشعري يكون اهتمام المتلقي أولا بالصياغة و التعبير و التشكيل اللغوي ثم تأتي الفكرة بعد ذلك في المرتبة الثانية .
إن لغة القصيدة هي مفتاح كل الأسرار فيها، و الشاعر المجيد هو الذي تجتمع لديه ميزتان مهمتان هما:-
الخبرة العميقة بالإنسان و الحياة التي تجعله قادرا على اكتشاف الأسرار و التناقضات في عقل الإنسان ؛ و الميزة الثانية في قدرته علي امتلاك اللغة و توظيف طاقاتها التعبيرية والتي تمنحه عبقرية التأثير في المتلقي .
إن ما أريده في هذا المقال هو أن الباب الوحيد الذي يمكن الدخول منه إلى النص الشعري و فكرته و عاطفته هو التشكيل اللغوي السليم، و علينا أن نولي اهتمامنا في معرفة اللغة و مفرداتها بقدر الإمكان ،و أن تكون اللغة الشعرية هي مدخلنا الأساس للإبجار في عالم النص، و علينا أن نستخرج من باطن النص الخفي و المسكوت عنه ، و ما بين السطور ، لأن النص الشعري الجيد يحاور قارئه و يراوغه، و لا يبوح بالهدف مباشرة و إلا كان نصا مبتذلا مكشوفا ، فهذه المراوغة الجميلة بين النص الشعري و القارئ هي جوهر متعة القراءة و لذة التذوق الفني و الجمال ، شريطة أن تكون لغة فصيحة سهلة الوصول إليها و ألا يلجأ الشاعر إلي استخدام ألفاظ خارج الزمن و العصر تنفر القارئ منها ، بل عليه أن يحسن اختيار اللفظ المعبر في سهولة و يسر .و أن يكون المتلقي على قدر من الإلمام باللغة و أسرارها 'إن ما يحزنني حينما يقرأ المتلقي أو حتي المتخصص النص الشعري لا يتعمق فيه و في أسراره ، بل ينظر إلى بعض كلماته أو يلقي عليها نظرة سطحية ، إن النص الشعري ولادة صعبة تحتاج للتأمل و القراءة والعناية 'فهو نتاج جهد كبير ممزوج بموهبة تميزه عن القارئ العادي .وكي تحدث عملية المراوغة بين النص الشعري و المتلقي لابد من أن يكون هناك تفاعل وتجاوب من المتلقي في الاهتمام والقراءة المتأنية الواعية للنص الأدبي 'وعلى الشاعر أن يمس الوجدان ويعايش قضايانا المختلفة إيمانا بدور الشعر والأدب عامة في المجتمع والإسهام في حل قضاياه المختلفة.
