قضاءٌ وقدر (قصةٌ قصيرة)
رفض الطبيب منحهم شهادة الوفاة، وترخيص الدفن، أسقط في أيديهم، أسر إلى ولده الأكبر، أن أباه مات مسمومًا، وأن الأمر الآن من اختصاص النيابة، والطب الشرعي.
للمرة الثالثة أعاد وكيل النيابة قراءة تقرير الطبيب الشرعي، جاء في التقرير أن الضحية مات مسمومًا بسيانيد الصوديوم، وهو مركب شديد السمية ضار بالخلية الحيوانية، يؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي، ويتسبب في الموت الفوري لأي كائن حي، يبتلع كمية أصغر حجماً من حبة الأرز.
كانت القضية شديدة التعقيد، على درجة عالية من الحساسية، فالضحية شخصية عامة من رجال السياسة البارزين، ورئيس لحزب معارض؛ طالما شكل صداعًا في رأس الحكومة، ونائبًا برلمانيًا مخضرمًا، ورجل أعمال من كبار الحيتان: يحتكر كبرى شركات الحديد، ويمتلك عدة محاجر، ومناجم، ومضارب كبير بالبورصة، وله نشاط اجتماعي واسع، حيث يرأس ناديًا رياضيًا، كما أنشأ جامعة باسمه، وعدة مدارس، ومستشفيات خاصة.
تم استدعاء طبيب العائلة؛ الذي ناظر الضحية قبل الوفاة بدقائق، ورفض التصريح بالدفن.
فقال: - إنه اشتمَّ رائحة اللوز في أنفاس مريضه، مما جعله يقطع بوجود السيانيد في جسده. أضاف: - في حالة تناول أملاح السيانيد بالفم، فلا بد أولاً من اختلاط الأملاح بحمض الهيدروكلوريد الموجود بالمعدة، للتحول إلى الصيغة الحمضية القاتلة، وهو ما قد يؤخر الوفاة ساعة كاملة.
أردف الطبيب ضاحكًا: - وفي حالة الغياب التام لأحماض المعدة، فإن أملاح السيانيد لا تعدو كونها أملاحاً لا تضر، كما حدث مع الراهب "راسبوتين"، وكان مدمنًا للخمر، مما سبب غياب الأحماض المعدية لديه، لذلك حين حاول أعداؤه قتله بأملاح السيانيد، فشلوا، ولم يجدوا حلاً سوى إطلاق الرصاص عليه، بينما مات رجل ببساطة، بعد أن تناول كوبًا مليئًا ببذور التفاح.
في الطريق للمنزل مر بالمكتبة، فاستعار عدة كتب ومراجع، وراح يتصفحها لساعات قبل النوم. قرأ بحثًا عن استخدام السيانيد في الصيد الجائر بالغابات، عن طريق خلطه بالثمار والحبوب، بدلًا من الصيد التقليدي بالبنادق والحراب، وأنه تم رصد مقتل ثلاثمائة فيل أفريقي في منتزه هوانجي بزيمبابوي، في العام 2013، عن طريق تسميم كيزان الذرة وثمار البرتقال واستخدامها طعمًا لاجتذاب الفيلة، كما عُثر على طيور وأسماك نافقة، في مناطق متاخمة لمناجم التعدين.
جاء في أحد المراجع أن السيانيد مادة كيميائية لا توجد منفصلة، ولكنها ترتبط عادة مع مواد كيميائية أخرى لتكون مركبات سيانيد، كسيانيد الهيدروجين، سيانيد الصوديوم وسينايد البوتاسيوم. وتستعمل في مصانع البلاستيك والمطاط، وبعض عمليات التعدين لتلميع المعادن، كالذهب، أو تنقيتها من الشوائب، لكنها تعد كأخطر الأحماض؛ التى تتفاعل مع المعادن المختلفة.
بعد مقابلة أهل القتيل، واستعراض نتائج أسهم البورصة، استبعد شبهة الانتحار: فالمؤشرات المالية للرجل إيجابية، وحالته النفسية متزنة للغاية. تساءل هل تم القتل لخصومة سياسية لإزاحته عن الانتخابات القادمة؟ هل الجاني واحد أو واحدة من ضحاياه العديدين؟ الرجل له عداوات لا تُعد وخصومات لا تُحصى: بين عمال مفصولين فصلًا تعسفيًا، ومرضى تم طردهم، لعجزهم عن سداد نفقات العلاج الباهظة، ونساء غرر بهن ثم تنكر لهن، ومضاربين تسبب في إفلاسهم، وخدم يعاملهم معاملة العبيد.
انتابته الحيرة، وأوشك على اليأس، لكن بصيصًا من النور لاح له، حين قرر السائق الخاص أنه اصطحب سيده قبل الوفاة، إلى الملهى الليلي المملوك له، حيث مكث هناك حوالي ربع الساعة، ثم عاد به للفيلا، وكان متعبًا فاتصل بالطبيب؛ الذي وافاه بالفيلا، ليسلم الروح بعد دقائق من وصول الطبيب، وكان قد مر قرابة نصف الساعة من مغادرته للملهى.
كانت المفاجأة أن الملهى مغلق إداريًا؛ للتحقيق في وفاة راقصة، تبين أنها انتحرت بالسيانيد،
وأن الضحية حاول إسعافها، بإجراء تنفس صناعي لها فمًا بفم.
أحمد عبد السلام_مصر
رفض الطبيب منحهم شهادة الوفاة، وترخيص الدفن، أسقط في أيديهم، أسر إلى ولده الأكبر، أن أباه مات مسمومًا، وأن الأمر الآن من اختصاص النيابة، والطب الشرعي.
للمرة الثالثة أعاد وكيل النيابة قراءة تقرير الطبيب الشرعي، جاء في التقرير أن الضحية مات مسمومًا بسيانيد الصوديوم، وهو مركب شديد السمية ضار بالخلية الحيوانية، يؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي، ويتسبب في الموت الفوري لأي كائن حي، يبتلع كمية أصغر حجماً من حبة الأرز.
كانت القضية شديدة التعقيد، على درجة عالية من الحساسية، فالضحية شخصية عامة من رجال السياسة البارزين، ورئيس لحزب معارض؛ طالما شكل صداعًا في رأس الحكومة، ونائبًا برلمانيًا مخضرمًا، ورجل أعمال من كبار الحيتان: يحتكر كبرى شركات الحديد، ويمتلك عدة محاجر، ومناجم، ومضارب كبير بالبورصة، وله نشاط اجتماعي واسع، حيث يرأس ناديًا رياضيًا، كما أنشأ جامعة باسمه، وعدة مدارس، ومستشفيات خاصة.
تم استدعاء طبيب العائلة؛ الذي ناظر الضحية قبل الوفاة بدقائق، ورفض التصريح بالدفن.
فقال: - إنه اشتمَّ رائحة اللوز في أنفاس مريضه، مما جعله يقطع بوجود السيانيد في جسده. أضاف: - في حالة تناول أملاح السيانيد بالفم، فلا بد أولاً من اختلاط الأملاح بحمض الهيدروكلوريد الموجود بالمعدة، للتحول إلى الصيغة الحمضية القاتلة، وهو ما قد يؤخر الوفاة ساعة كاملة.
أردف الطبيب ضاحكًا: - وفي حالة الغياب التام لأحماض المعدة، فإن أملاح السيانيد لا تعدو كونها أملاحاً لا تضر، كما حدث مع الراهب "راسبوتين"، وكان مدمنًا للخمر، مما سبب غياب الأحماض المعدية لديه، لذلك حين حاول أعداؤه قتله بأملاح السيانيد، فشلوا، ولم يجدوا حلاً سوى إطلاق الرصاص عليه، بينما مات رجل ببساطة، بعد أن تناول كوبًا مليئًا ببذور التفاح.
في الطريق للمنزل مر بالمكتبة، فاستعار عدة كتب ومراجع، وراح يتصفحها لساعات قبل النوم. قرأ بحثًا عن استخدام السيانيد في الصيد الجائر بالغابات، عن طريق خلطه بالثمار والحبوب، بدلًا من الصيد التقليدي بالبنادق والحراب، وأنه تم رصد مقتل ثلاثمائة فيل أفريقي في منتزه هوانجي بزيمبابوي، في العام 2013، عن طريق تسميم كيزان الذرة وثمار البرتقال واستخدامها طعمًا لاجتذاب الفيلة، كما عُثر على طيور وأسماك نافقة، في مناطق متاخمة لمناجم التعدين.
جاء في أحد المراجع أن السيانيد مادة كيميائية لا توجد منفصلة، ولكنها ترتبط عادة مع مواد كيميائية أخرى لتكون مركبات سيانيد، كسيانيد الهيدروجين، سيانيد الصوديوم وسينايد البوتاسيوم. وتستعمل في مصانع البلاستيك والمطاط، وبعض عمليات التعدين لتلميع المعادن، كالذهب، أو تنقيتها من الشوائب، لكنها تعد كأخطر الأحماض؛ التى تتفاعل مع المعادن المختلفة.
بعد مقابلة أهل القتيل، واستعراض نتائج أسهم البورصة، استبعد شبهة الانتحار: فالمؤشرات المالية للرجل إيجابية، وحالته النفسية متزنة للغاية. تساءل هل تم القتل لخصومة سياسية لإزاحته عن الانتخابات القادمة؟ هل الجاني واحد أو واحدة من ضحاياه العديدين؟ الرجل له عداوات لا تُعد وخصومات لا تُحصى: بين عمال مفصولين فصلًا تعسفيًا، ومرضى تم طردهم، لعجزهم عن سداد نفقات العلاج الباهظة، ونساء غرر بهن ثم تنكر لهن، ومضاربين تسبب في إفلاسهم، وخدم يعاملهم معاملة العبيد.
انتابته الحيرة، وأوشك على اليأس، لكن بصيصًا من النور لاح له، حين قرر السائق الخاص أنه اصطحب سيده قبل الوفاة، إلى الملهى الليلي المملوك له، حيث مكث هناك حوالي ربع الساعة، ثم عاد به للفيلا، وكان متعبًا فاتصل بالطبيب؛ الذي وافاه بالفيلا، ليسلم الروح بعد دقائق من وصول الطبيب، وكان قد مر قرابة نصف الساعة من مغادرته للملهى.
كانت المفاجأة أن الملهى مغلق إداريًا؛ للتحقيق في وفاة راقصة، تبين أنها انتحرت بالسيانيد،
وأن الضحية حاول إسعافها، بإجراء تنفس صناعي لها فمًا بفم.
أحمد عبد السلام_مصر