voller-9 المدير العام
عدد المساهمات : 1148 تاريخ التسجيل : 05/08/2015 العمر : 54 الموقع : www.Facebook.com
| موضوع: مجلة حروف من الياسمين *** "براقشُ (قصةٌ قصيرة) " بقلم .../ احمد عبد السلام الخميس أكتوبر 29, 2015 5:10 pm | |
| براقشُ (قصةٌ قصيرة)
أخرجت لسانها أمام المرآة، وقفت تنظر إليه في سخط، تكاد تميز من الغيظ، تود لو تتخلص منه؛ فهو الذي أوردها الموارد! لا تدري كيف انزلقت إلى هذا المستنقع الآسن، تلك الصحبة من جليسات السوء، اللاتي اجتمعن على الجيف؛ ينهشنها بنهم دون أن يَشبعْنَ أو يُقلِعْنَ. حُببت إليهن النميمة، وزُينت في قلوبهن، فإذا مللن الغيبة، طفقن ينشرن أسرار أنفسهن دون حياء أو خجل، فإذا هي كلأ مباح.
فإذا رُفعت الحجب، وكُشفت الستور، انطلقت الألسنة، وأصغت الأفئدة، فتشرئب الأعناق، وتهوى القلوب، وتميل النفوس، في البداية كانت تشمئز وتمتعض، وتحتد وتعترض، ثم انجرفت شيئًا فشيئًا، لتصغي صامتة متلذذة، إلى أن انتهى بها المطاف قائدة محنكة، تدير دفة الحديث، وتمتلك ناصية الكلام.
كن مجموعة من نسوة الصيادين، يغيب رجالهن في البحر شهرًا، يلتمسون ما كتب الله لهم من الرزق، ويمكثون بينهن شهرًا يطفئون ظمأ أرواحهم ، وينفضون تعب أجسادهم، يعود الرجال، فيقصون مغامرات البحر وأهواله، ويستمعون قصص النساء ومسامراتهن، فيطمع الذي في قلبه مرض، ويتوق لما ليس في يده، ويمد عينيه إلى ما متع الله به أزواجًا غيره.
زوجها هو شيخ الصيادين، أكثرهم مالًا، وأتمهم عافية، وأوسعهم دارًا، لا يصدرون إلا عن رأيه، لا يعصون له أمرًا، لو أمر أحدهم أن يرمي بنفسه في البحر لفعل، كان طبيعيًا أن تتبوأ هي نفس المنزلة في عالم النساء، فهي سيدتهن الأولى.
غلطت غلطة عمرها يوم عاد زوجها حزينًا أسِفًا، وقد فُقدتْ إحدى مراكبه وأمسى مصير طاقمها مجهولًا، عز عليها أن يمضي أجازته في كرب، فأرادت التسرية عنه، وانتشاله من جب الأحزان، بالإبحار في عالم الأسرار، التي استقتها من أفواه النساء، ذعر الرجل مما سمع، فأغلظ لها القول، ونهاها أن تعود لهذه المجالس الآثمة، التي تستباح فيها الحرمات، وتُنتهك الأعراضُ وتخوض الألسنةُ فيما يغضب الله.
بخبرتها أحست أن غضبته مزورة، فهي تعلم عنه رقة في الدين، وجرأة على الحرام، كيف لا وهو يأكل عرق الأجراء، ويرابي الصيادين الفقراء، فمن أين له هذا الورع الكاذب؟ استرسلت في القص غير عابئة باحتجاجه؛ الذي خفت رويدًا رويدًا، حتى تلاشى، وحل محله الطرب والنشوة. في الأجازة التالية، كانت محتبية في بيت أهلها، تنتحب بحرقة، وتعض أصابع الندم، بينما حلت محلها أرملة شابة، كانت قد أسرفت أمامه في وصف جمالها الباهر، وتصوير روعة مفاتنها.
أحمد عبد السلام_مصر | |
|